Saturday, September 13, 2014

عزيزتى بولا، يا ليت كان لونك هو المشكلة..

كلما سنحت لى الفرصة لكي اشرح لها ان لونها بالتأكيد ليس المشكلة، وأن لون أقاربها وأصدقاءها ليس المبرر المنطقى وراء ما تراه، أجد نفسى وقد وقفت الكلمات فى حنجرتى آبية الخروج.. أهو بسبب الجزء الصغير مني الذى ما زال يُحرج ويُجرح عندما يتحدث عن مساوئ بلده ويرفض الإعتراف بها أمام غريب؟ أم لأننى لا أدرى من اى جزء بالضبط ابدأ به فى السرد لها عن التحول والمرض الردئ الذى اصاب المجتمع المصرى برائحة كريهة تنبعث مع كل موقف عنصري.. وكل موقف متخاذل.. وكل إستقواء على من هو أضعف.. وكل صمت عما هو خطأ؟

الأسبوع الماضى.. كنت مستعدة لإستقبال خادمتنا النيجيرية "بولا" لرجوعها من اجازتها الشهرية المقررة، وبالطبع على عكس الخادمات المصريات تتمتع بولا بإنضباط فى المواعيد، إحترافية فى إتمام مهامها المنزلية، قدرتها على إحتمال أختى الصغيرة إلى جانب ما تفتقره العديد من خادماتنا المصرية وهو النظافة الشخصية وحسن المظهر.. دقت الساعة الثانية عشر ظهرا ولم تظهر بولا حسب ميعادها، وكان خط محمولها غير متاح ولا استطيع الوصول لها..

بعد ساعتين، جاءت بولا وكنت قد استقبلتها بنوع من الغضب والعتاب على تأخرها ساعتين كاملتين، فوجئت بها تبكي وترينى آثار كدمات وجروح فى يديها وارجلها! قام سائق التاكسى الذى استقلته بضربها وسحلها وسرقة أموالها وتكسير تليفونها المحمول. اكدت بولا ان الدافع الأول والأخير لموقفه العنيف والمؤلم والمتحرش كان لونها الأسمر!

كان هذا المبرر هو المنطق الوحيد الذى تراه بولا كلما واجهت موقفا عنيفا كهذا، لديها اقتناع تام بأن المجتمع المصرى عنصرى ضد السود، وكان استنتاجها هذا بناءا على تجربتها فى العيش بالحى النيجيرى بمنطقة الحى العاشر بمدينة نصر.. المصريون دائمو التحرش والتعرض لهم، فى مرة رأت بولا مجموعة من الشباب ينهالون بالضرب على صديقتها لمجرد انها تحمل محمولا جديدا! وانتهت بسرقة اموالها وسرقة محمولها والهرب وذراع أسمر مكسور لا حيلة له فى بلد لا يعرف معنى القانون..

عزيزتى بولا، ربما بهذا المقال استطيع محاولة شرح الوضع لكِ..
ياليت كان لونك الأسمر هو المشكلة.. كنا وقتها سنستطيع تفادى تلك المشكلة ومناهضتها، المشكلة اكبر من لونك بكثير جدًا، المشكلة أصبحت تتلخص فى مجتمع اصابه التخلف.. المشكلة اصبحت تتفاقم لأننا لا نعترف بالمشكلة.. وكما تعرفين، اول خطوات العلاج هو الإعتراف بالمشكلة!

كل تلك التعديات والتحرشات التى ترينها انتِ وزملائك لا تتعلق بلونكم.. تتعلق بكل ما هو أضعف وكل ما هو مختلف وكل ما هو أقل من الغالبية..

نحن قطيع من سكان الأرض أبوا الا يختلف معهم على ارضهم شخصا واحدا، نحن قطيع يرفض و"يرفص" كل ما هو مختلف.. والإختلاف يا بولا قليل، فنصبح قلة تتعرض لقمع الغالبية التى قررت الا تسمع إلا نفسها وتكمم أفواهنا.

بم تبررين يا بولا تحرش بعض الشباب بفتاة قررت إرتداء اوسع "بنطلون" عندها وهى فى الجامعة وتركهم لمن ترتدى ما هو أضيق تسير فى سلام؟ ليست الشهوة ولا الصرع الجنسي.. بل الإختلاف يا بولا

بم تبررين إعتقال كل من يمت بالثورة بتهمة مثل "قانون التظاهر".. فى حين ترك المحتفلون فى الشوارع آلافا قاطعين الطرق؟ لأنهم يوئمون برأسهم يا بولا.. لأنهم وافقوا على عدم الإختلاف.

وأنتى ولدتى لتكونى مختلفة، ربما لست مختلفة عن البشر الطبيعيين.. أو قد يقدر إختلافك البشر الأسوياء، ولكن لهذا الجزء من الأرض الذى اعماه الجهل والمرض والجوع أصبح إختلافك وإختلافنا هو ذنب لن يُغفر إلا بإيماءنا لرأسنا معهم أو هجرتنا وتركهم فى جهلهم يعمهون..

Monday, September 8, 2014

حكايات مرعبة للشباب: منال الشرقاوى


جلست في شرفتى فى وقت متأخر من المساء.. الهدوء يعم على تلك المنطقة الراقية التى طالما احببتها منذ صغرى عندما كنت اترقب مبانيها بإنبهار عند مرورى فى الطريق للجامعة.. كنت أتمنى وقتها ان اصبح من سكان تلك المنطقة وها قد حققت حلمى.. اعتدلت فى جلستى لأتأمل النيل ثم المبانى المجاورة.. لم يتغير المنظر الذى طالما اغرمت به، تنهدت تنهيدة حارة ثم سارعت بالنداء على خادمتى بصوت عجوز رفيع " أم محمد.. يا أم محمد.. إنتى يا ست!" هرولت الخادمة بسرعة من المطبخ فى إتجاه الصوت القادم من الغرفة لتجدنى جالسة على كرسي المفضل وشعرى الذى لم يترك فيه الزمن خصلة إلا وقد حولها للأبيض الناصع.. "عايزة قهوتى.. وتانى مرة تبقى تسلكي ودانك مش هفضل انده زى المجانين كده.. حضرى لمايلو الدوا بتاعه".

قمت من الكرسي إلى غرفة صغيرة وأضئ النور فيستيقظ كلب "شيواوا" صغير من نومه ويتقدم إلي ببطء.. اخذت اهدهده حتى جاءت الخادمة ومعها الدواء وتسكبه للكلب فى الطبق الخاص به، يشربه بتمهل وسط نظراتى المترقبة ثم يستعيد وضعية نومه من جديد فأتركه في هدوء وأغادر الغرفة.

عدت لجلستى المفضلة بالشرفة واخذت ارشف قهوتى فى تلذذ تتذكر به كل اللحظات الفارقة فى حياتى..

لحظة قرارى بأن أكمل تعليم بالماجيستير والدكتوراه بعد الجامعة رغم اعتراض كل اسرتى على السنوات الضائعة بدلا من الموافقة على عروض الوظائف الكثيرة التى رفضتها وكرست حياتى للحصول على الدكتوراه..

لحظة عودتى لمنزلنا الصغير لأجد "طنط وفاء" فى ضيافتنا ومعها ابنها الكريه والذى علمت لاحقا ان أمه تريدنى زوجة له..

لحظة شجارى مع أبي بسبب عدولى عن قرار الزواج لأنى أريد بناء حياتى العملية اولا، ووفاته فى الصباح التالى لتصبح كل نظرة من أمى نظرة عتاب ولوم على قضاء وقدر وذنب لم ارتكبه وكأننى السبب فى وفاته..

لحظة وقوعى فى حب زميلى فى رسالة الدكتوراه وطلبه للزواج منى.. ومفاجأتى له بالرفض لأن زواجى منه سيعنى تعطيل كل أحلامى التى لم تتحقق بعد.

لحظة بلوغى الخامسة والثلاثين من عمرى وأنا اترقب شعيراتى البيضاء فى المرآة اللاتى انتشرن فى رأسي في خجل وعِند شديدين..

لحظة اصطناعى كره الأطفال كى ادفن كل مشاعر الأمومة التى افتقدتها احيانا عند مقابلة صديقاتى وأولادهن ..

لحظة تأسيسى لشركتى الخاصة التى مع الوقت اصبحت من أكبر شركات البلد تقريبا، سعادتى بحلمى الذى تركت كل شئ من أجله ومن أجل تحقيقه..

لحظة شرائي لـ"مايلو".. كلبى الحبيب وكاتم أسرارى الذى اصبح يمتلك قلبى كله.. أحيانا ارجّه فى عنف آملة فى ان يرد على فضفضتى له ثم اضحك في سري على جنونى..

بالطبع احببت شخصا اخر بعد زميلى فى رسالة الدكتوراه، ولكنها كانت مثل حكايات الأفلام التى نراها ونبكي عند مشاهدتها ولا نقتنع ابدا انها قصص من الواقع.. احببته ولكنه كان اصغر سنا منى، وكان الرجل المتكامل فى وجهة نظرى.. خاض حروبا شنيعة مع عائلته التى رفضت تفكيره فى الزواج من إمرأة تعيش بمفردها وتكبره بعدة سنوات، كان فراقه هو الشوكة التى كسرت في كل ما تبقى من تفكير او إحساس بمشاعر او علاقات، أغلقت هذا الباب نهائيا لأنه ببساطة وكما تقول جدتى دائما ان الحياة عبارة عن 24 قيراط.. ولكل 
 شخص تقسيمته الخاصة، وأنا لم أكن حتى أمتك ربع قيراط فى حقل الحُب والعلاقات والزواج..

أجلس الآن متذمرة من العطلة الرسمية غدا.. لماذا اخترعوا العطلات اصلا؟ ما أهميتها؟ لماذا لا يستطيع الناس ببساطة الإنكباب على العمل طوال الأسبوع؟ من الواضح ان تذمرى كان بصوت أعلى من اللازم.. فقد أفقت على خادمتى ترد ضاحكة "لو كل الناس زيك يا ست منال كان زماننا زى بلاد برة"

"والنبى تتلهي!" كان هذا ردى المعتاد على كل كلامها، أتركها وأذهب مرة أخرى لغرفة مايلو وأجلس بجانبه فى الظلام منتظرة لحظة استيقاظه..