Wednesday, May 13, 2015

أبى انفلوينشال وأمى موتيفشنال سبيكر!

أتذكر بمنتهى الوضوح درس اللغة العربية بالصف الثالث او الرابع الإبتدائى حسب ما اتذكر الذى يتحدث عن المهن المختلفة وشرحها بطرق بسيطة، اتذكر جيدا تلك الجملة من الدرس "أبى ضابط وأمى معلمة" وكانت مشكلتى الأزلية فى هذا الدرس ان والدتى محامية ولا اشعر ان هذا الكلام يعبر عن حياتى وبعدها بسنة او اثنين ادركت القيمة الحقيقية لهذا الدرس والمغزى منه، يعلمنا تعريف مهن افراد عائلاتنا وليس مجرد تعليم التعريف بل وكيفية انعكاس مهنتك على خدمة المجتمع، إختيار الضابط والمعلمة بالنسبة للأطفال اختيار بسيط ومعبر، الضابط يحمى المجتمع من الخارجين على القانون والمعلمة تربى أجيالا، مع الوقت ومع النضوج ينعكس عليك هذا الدرس لا إراديا فى اختيار مهنة تضيف بها للمجتمع والبلد الذى تعيش فيه، وتدرك قيمة "الهبل" الذى كنت تظن نفسك وقتها تدرسه وانه بلا فائدة حقيقية.. من وجهة نظرى قيمة هذا الدرس تتلخص فيما تقدمه من خلال مهنتك ومن خلال حياتك العملية، وهذا هو المفترض فى رأيى ان يكون شكل تفكيرنا واختيارنا للمهنة التى سنتخذها.. فإذا اخترت أنا ان اصبح صحفية وكاتبة يجب ان افكر فى الطريقة التى سأخدم بها المجتمع ومن يقرأ لى من خلال عملى أن اقدم له ما يفيده على الأقل.

مع التطور الطبيعى للحياة اصبحت هناك مهنا جديدة حسب المتطلبات العصرية للمجتمعات الحديثة، فأصبحت مثلا "السوشيال ميديا" عملا هاما لا يمكن الإستغناء عنه لتسويق اى سلعة تقوم بإنتاجها من الإبرة للصاروخ، واصبح علم السوشيال ميديا علم منفرد متخصص لا يستطيع اى شخص عابر القيام به إلا بعد دراسة وفهم كامل لشكل إستخدام الإنترنت مؤخرا ومعرفة الحالة المزاجية التى يتمتع بها معظم من تخاطبهم من المستهلكين، وحتى السوشيال ميديا فى رأيى اذا اتخذتها عملا فيجب على كل من يعمل بها التفكير فى كيفية تطويرها وتطوير شكل استخدامها وتطوير شكل إيصال المعلومة للمستهلكين إلخ إلخ

واليوم وبعد انتشار كاسح لفيسبوك وتويتر فى المجتمع المصرى وخاصة فى اوساط الشباب، اندهشت من استطاعة البعض تحويل الـ"ولا حاجة" إلى عمل يمتهنه ويتكسب منه وينشر ايضا مهنة الـ"ولا حاجة" فى قائمة المهن الجديدة فى السوق المصرى، أهم ما يميز هذه المهن هى "Influential" و"Motivational Speaker".. الأولى تعنى المؤثر والثانية تعنى المتحدث المحفز.

هاتان الكلمتان لم يظهرا فى اعتقادى مؤخرا، بل هما موجودتان منذ قديم الأزل، فعندما يقرر الملك الدخول فى حروب فى العصور القديمة كانت العادة تجرى ان يجمع الجيش وافراد العامة ويلقى خطبة طويلة مؤثرة ومحفزة ومؤججة لمشاعر الافراد لحثهم على القتال وعلى اهمية المعركة.. ثم تطورت واصبحنا اليوم نرى خطبا عريضة مؤثرة لستيف جوبز مثلا أو مارك زكربرج وهو يتحدث عن أهمية التواصل واهمية بدء اول خطوة فى حياتك العملية كما فعل هو واصبح من اهم البشر فى العالم..

وعندما قرر كل هؤلاء العظماء الذين نسمع خطبهم دائما فى اوقات الإحباط والإرتباك النفسى والذهنى ان يمتلكوا الشجاعة الكافية للوقوف امام الملايين او الآلاف والإمساك بالميكروفون للتحدث وتحفيز من امامهم، كانت لديهم كل الأسباب والمبررات لهذا الفعل، فهو نجح وفى سبيل الوصول لهذا النجاح تخطى صعوبات وقابل تحديات وتحلى بالصبر إلخ..

اتمنى ان يتسع صدرك للدخول على فيسبوك او تويتر وقراءة كم الحسابات التى يطلق اصحابها على انفسهم "Influential" او "Motivational Speaker".. ينبهر بهم الآلاف ايضا ويتابعونهم ويتأثرون بحديثهم، لكن السؤال الحقيقى هنا: ماذا قدم هؤلاء للمجتمع او ماذا قدم هؤلاء فى المطلق حتى تتملكهم الشجاعة بهذه البساطة ليقوموا بتعريف انفسهم كأشخاص مؤثرين او محفزين؟ أين الأساس والقاعدة التى بنى عليها هؤلاء لتعريف انفسهم بهذه المسميات؟ من هم ليتحدثوا فى أكثر من حدث إجتماعى وثقافى للتأثير فى الشباب وشحنهم بالطاقة الإيجابية اللازمة؟

المشكلة ليست فى النقطة السابقة فحسب، المشكلة الحقيقية تكمن فى انهم "مصدقين نفسهم"! ومصدقين ان هذه التأثير والتحفيز مهنة! ولا يدركون انها جزء او توابع تأتى مع مهنة حقيقية تفيد البشر والناس والمجتمع!
اتمنى عندما تصل هذه الكلمات لكل فرد منهم ان يخرجوا حاسباتهم وهواتفهم المحمولة ويبحثوا فى جوجل عن الاشخاص الذين قدموا خدمة حقيقية للعالم اجمع مثل السيد فينت سيرف الذى تشرفت بعمل حوار معه فى هذا العدد.. ماذا قدم هذا الـ"موتفيشنال سبيكر" للعالم مقارنة بهذا الشخص؟ وماذا قدمت يا "انفلوينشال" مقارنة بمارك زكربرج؟

اخشى ان يتغير درس اللغة العربية الذى ذكرته بعد عشر سنوات او خمسة عشر سنة ليتحول إلى أبى انفلوينشال وأمى موتيفشنال سبيكر!