Thursday, February 20, 2014

كُن صلاح ولا تكن إبراهيم سعيد!

فاكرين صديقى العزيز بتاع مقال فانتازيا اللى إتكلمنا أنا وهو عن مراهقة الفراخ وأحلام ميكى ماوس؟ لأ؟ مش مشكلة المهم ان هذا الصديق العزيز أحب اذكر اسمه فى هذا المقال بالذات لسببين؛ اولهم لأن كلامنا معا يوجد به بعض الإلهام الخفى وثانيا لأنه من يستمع إلى شكاوى وزهق وملل لا حصر لها منى.. شكرًا يا يوسف، محادثاتنا القصيرة اللى مش بنفكر إحنا بنقول إيه وإحنا بنتكلمها تجعل الكتابة اسهل نوعًا ما.

كنا نجلس صامتين قامطين كالعادة، لا أحب الكلام ولا أعرف كيف اعبر شفهيا بما يدور فى بالى، ثم استرسلت فى الحديث عن "مرقعتى الفارغة" اللى هى بالنسبة لى مش مرقعة طبعًا هو مجرد كسل لا أكثر ولا أقل.. ظل يوسف يستمع إليّ ولا يعقّب حتى ساد صمت مرة أخرى..

هو: إنتِ عارفة إبراهيم سعيد؟
أنا: أه طبعًا عارفاه إيه السؤال الساذج ده وإيه علاقته باللى قاعدة بتكلم فيه مش فاهمة!
هو (متجاهلا إستنكارى وبداية غضبى من تجاهل كلامى): عارفة مشكلة إبراهيم سعيد إيه أو بمعنى اصح إيه اللى ضيّعه؟
أنا: يمكن تسريحاته العظيمة مثلًا؟ ولا الماسكارا الحمرا اللى كان بيعملها فى شعره؟ ولا يمكن مثلًا طولة لسانه وطول إيده.. أظن انت فاهم انا بتكلم عن إيه كويس!

هو (متجاهلا كلامى للمرة الثانية على التوالى) : إبراهيم سعيد تقريبا كان أحرف لعيب فى مصر كلها، فعلًا لعيب مابيخرش المية زى ما بيقولوا، بس هو اللى ضيّع موهبته بإيده.. مكنش مثلا يحب ينزل التمرين، يقولك أنا مش عايز أتمرن! أنا نزلونى بس العب ماتشات وهلعب كويس.. يا عم إزاى؟ يهديك يرضيك مفيش.. لحد ما إنتهى إبراهيم سعيد..

أنا: آه ماشى حلو وجميل، ربنا يصبره إن شاء الله، إيه بقى؟
هو: عارفة محمد صلاح؟
أنا: أنا بدأت ازهق على فكرة!
هو (غير مبال بشرارات غضبى): اهو صلاح ده لعيب بس فى نفس الوقت شاطر، واد منضّف دماغه وماشى كما يقول الكتاب، محدش سامع له صوت.. بيشتغل وبيشتغل كويس وعشان كده بينجح ولو فضل على نفس طريقته دى هيبقى من انجح لعيبة الكورة فى العالم كمان مش فى مصر بس.
أنا: ربنا يوفقه.. ياريت نركز شوية فى اللى أنا عمالة بتكلم فيه بقالى ساعة، أو بُص ماتركزش انا قلت الكلمتين اللى عندى وفرغت الطاقة السلبية خلاص.. نغيّر الموضوع.
هو: مشكلتك بقى إنك بتحدفى ناحية إبراهيم سعيد مش عارف ليه!

عندما تتأمل يا قارئى العزيز احوال كلا من صلاح وإبراهيم سعيد، تجد فيهما مستقبلك إما اسود زى ابراهيم سعيد او مستقبل مشرق مثل محمد صلاح، إبراهيم سعيد اللاعب الذى يبلغ من العمر الان 35 سنة.. كان زمانه لسه بيلعب لحد دلوقتى ومكسّر الدنيا لو قدّم شوية التزام فى التدريبات وإحترام وهدوء بدلا من مشاجراته مع اى حد بيعدى قدامه.. إبراهيم سعيد الآن لاعب نتذكره كل فين وفين وياريت بالخير.. يوم ما قرروا يعملوا فيلم "العالمى" ودوّروا على لاعب كرة بايظ وضاع بيحاول يضيع مستقبل الممثل يوسف الشريف معاه قرروا يجيبوا ابراهيم سعيد فى الدور ده! إبراهيم سعيد الآن قاعد "مقّتب" 24 ساعة على تويتر كل اللى بيعمله إنه بيشتم فى الأهلاوية وأبو تريكة و"يشرشح" للى رايح واللى جاى..

محمد صلاح بقى، صامت متجاهل معظم الإعلام وما يقال وما يشاع عنه، مجتهد وبإجتهاده وتركيزه الصامت حصد اول ثماره، نادى تشيلسى وهو لسه عنده 21 سنة.. لا يتحدث إلا بالحُسنى ومش "جعجاع"..
كلاهما موهوب، لكن اللى فرق بين الإتنين هو الشغل وطريقة التعامل والطريق الذى سلكه كلا منهما.

من بعد إنتهاء تلك المحادثة المبهمة، وأنا أتعامل مع إبراهيم سعيد وصلاح كمصطلحان كلا منهما يعبران عن حالتنا النفسية يعنى مثلا "أنا إنهاردة إبراهيم سعيد اوى" وهذا معناه اننى لم أنجز شئ مفيد فى يومى، أو أننى قررت "التنفيض" لحدث مهم فى عملى عشان كسلانة أو ماليش مزاج. وعلى النقيض "أنا صلاح جدًا اليومين دول" وهذا يعنى انى فى الفورمة ومركزة وبشتغل بجد وبطلت شكوى وأعذار.. بحاول أبقى صلاح على أد ما اقدر، ده مايمنعش ان إبراهيم سعيد بيسيطر على أوقات كتير من حياتى..

حكمة الأسبوع: كُن صلاحًا ولا تكن إبراهيم سعيدًا.

Saturday, February 15, 2014

بلد العميان للكاتب هـ.ج. ويلز 1904

 * تلك القصة من علامات الأدب الإنجليزى وهى من أشهر وأعظم القصص القصيرة التى كُتبت، بالتأكيد لم اختر تلك القصة بالذات عشان هى بس من علامات الادب الإنجليزى وقبل ان تفتح بُقك ايها القارئ السعيد فها أنا ابسطها عليك.. اخترت تلك القصة بالذات لأن تهدف إلى إسقاط على وضع حالى نعيشه يتشابه مع الحالة التى تناقشها القصة بشكل غير مباشر.. الآن وقد عرفت المغزى من هذا المقال، افسح لى مجالا وأنتخ على كرسيك وأنت تقرأ وتمعن وفكّر..

بدأت الحكاية عندما قرر بعض مواطنين دولة بيرو الهروب خوفا من بطش الإحتلال الأسبانى إلى واد خفى حتى لا يعثر عليهم الاسبان ويقتلوهم، ولأن دائما سوء الحظ لا ينتهى عند مستوى معين، وقع زلزالا ضخما ادى إلى تغيير شكل الجبال المحيطة بهذا الوادى وانعزل المهاجرون تماما عن العالم الخارجى. ولأن ايضا سوء الحظ دائما يزداد سوءا للمُرزقين.. انتشر مرض غريبا بين سكان هذا الوادى من المهاجرين ادى إلى اصابتهم بالعمى.. فسّر بالطبع بعض الجهابذة منهم هذا المرض بأنه ابتلاء من الله بسبب خطاياهم، تكاثر سكان الوادى ونتج عنه سلالات لا ترى فاقدة للبصر بنسبة 80% تقريبا – يادوب بيحسسوا يعنى-.. ومع الوقت باقى حواس سكان الوادى ازدادت قوة بسبب عميانهم مثل حاسة الشم والسمع وقوتهم البدنية ايضا وفى نفس الوقت زادت الأهداب "الرموش" على اعينهم واخذت عينهم فى التضاؤل.

ظل هؤلاء العميان منعزلون تماما يعيشون حياتهم بعيدا عن العالم الخارجى الذى تاه شكله بين أجيال كبرت على الظلام الدامس.. وفى تلك الأثناء، قرر عدد من المغامرين ومتسلقى الجبال بتسلق جبل من الجبال التى تحيط بهذا الوادى – وطبعا مايعرفوش ان فيه وادى اصلا-، من بينهم كان هناك مغامر يُدعى نونييز.. إثناء تسلق نونييز للجبل انزلقت إحدى قدميه بين الصخور نتج عنه سقوطه لكنه وقع على وسادة ثلجية وشاء القدر ان يقع فى هذا الوادى تحديدا.. ظل المغامرون اصدقاءه يبحثون عنه بشتى الطرق ولكنهم فقدوا الامل فى العثور عليه تماما.

عندما استعاد نونييز وعيه بعد تلك السقطة، ظل يمشى على امل ان يجد اى انسان يستطيع مساعدته للعودة، لكنه رأى بيوتا فاقعة اللون تضر بالبصر واندهش من اختار تلك الالوان، بالطبع تم القبض على الدخيل من قبل سكان الوادى، ثم اقتادوه لكبيرهم.. حكى له نونييز حكايته، بالطبع لم يصدق كبير القبيلة ان هناك بشر ترى.. اخذوا يجرون له الإختبارات التى تثبت صحة اقواله، نونييز كان فاكر انه ممكن يبقى برنس عليهم بمنتهى البساطة عشان هو بيشوف وهما لأ.. كان غلبان!

"طب لو بتشوف بقى زى ما بتقول لنا، الواد بيدرو جاى علينا دلوقتى ولا لأ؟".. كان بيدرو جاي لهم فعلا، ولكن لسبب غير معلوم غير طريقه. المهم كلمة منه على كلمة منهم قرروا انه مجنون وان عينيه اللى باينة دى ما هى إلا تخاريف. اخذ يسمع منهم نونييز عن الملائكة التى تحرس السماء وكانوا بيقصدوا بيهم الطيور وكانوا على يشعرون بالليل والنهار على حسب حرارة المناخ من حولهم..

قرر نونييز الهروب فى ليلة.. لكن هيهات قدميه المصابة حالت دون ذلك، تم القبض عليه على الفور وطبقوا عليه عقوبة الجلد، ادرك نونيير ان لا مفر منهم على الإطلاق وعليه ان يخضع لقوانينهم.. فأستسلم لهم وأقر ان ما يقوله هى تخاريف.. عاش نونييز فى الوادى لأسابيع يعمل لحساب شيخ منهم يدعى جيكوب.. أحب نونييز إبنه جيكوب فهى الوحيدة التى كانت تصدق حكايات نونييز وتؤمن به.. وفى يوم قرر نونييز طلب الزواج منها رسميا.

عارضت القبيلة كلها هذا الزواج، من هذا المخبول الأقل شأنا منا ويتزوج واحدة من بناتنا؟ المهم الحكيم بقى اللى فيهم قالك إيه.. خلاص هو لو عايز يتجوزها نعمله عملية نشيل له فيها عينه اللى مضايقانا دى ويبقى أعمى زينا.. وافق نونييز على الإقتراح بعد ان ترجته حبيبته.

فى الصباح الباكر ليوم العملية.. وقف نونييز يتأمل السماء وألوانها والطيور واشكالها.. متّع نظره بالأشجار ولون الشمس والسحاب، تفاصيل بالتأكيد سيفتقدها.. فى تلك اللحظة فقط قرر نونييز تسلق هذا الجبل الذى أمامه والهروب بأى وسيلة ممكنة.. حتى حبه لحبيبته لن يكون سببا فى جعله أعمى جاهلا!
بالفعل نجح نونييز فى الهروب على الرغم من ملاحقة العميان له..

Saturday, February 8, 2014

ما فعله الدكتور بالعيَان!

لهذا المقال سببان، الاول ربما جاء بدافع كرهى للأطباء عامة فى شتى المجالات، لا أذهب للأطباء إلا مضطرة وتحت ضغوط إما عائلية او جسدية تحتم علي التخلى عن هذا الكره بمخاوفه. أما السبب الثانى هو مقابلة صُدفة لإحدى صديقاتى وهى طالبة فى كلية طب أسنان الأسكندرية، وآخر فى جراحة القاهرة او عين شمس لا اتذكر بالتحديد. بالطبع لن اجرؤ على ذكر اسم صديقتى والتى كان لها الجزء الأكبر فى كتابتى هذا المقال، لأن بذكر إسمها ولو وقعت المجلة فى إيد حد من دكاترة جامعتها الطيبين ولاد الأصول سوف يتم وضع علامة "كروس" كبيرة عليها وتقريبا مش هتنجح ومش عايزين نضيّع مستقبل البنت.

من الطبيعى او على الأقل الطبيعى بالنسبة لى ان الطبيب فى اى مستشفى او مستوصف يخدم المريض خدمة على الاقل ايضا يجب ان توصف بالجيدة، هذا دوره الطبيعى فى المجتمع، ولكننا لسنا فى مجتمع طبيعى اصلا ولسنا نتعامل مع بشر طبيعيين بل على الأحرى نتعامل مع "زومبيز"!

صديقتى تلك كعادة كليات الطب تنزل نوع من انواع التدريب فى بعض المستشفيات كتأهيل لها قبل تخرجها الفعلى من الكلية، تدريب عملى يعنى، ومع إنها فى طب أسنان لكن فى الأول تقريبا بيتعلموا اساسيات الطب البشرى كمان. هذا التدريب العملى طبعا بيتم على مرضى حقيقيين وهؤلاء المرضى ينقسموا إلى جزئين، الاول جزء يتبرع من تلقاء نفسه ليتم التجربة عليه لأنه لا يملك المال الكافى للذهاب لطبيب مختص ويكتب إقرارا بأن هذا التدريب على مسئوليته الشخصية يعنى المستشفى ولا الدكاترة الصغيرين اللى ممكن يغلطوا ليهم دعوة لو هو حصله حاجة.. وعن هذا الجزء من المرضى تحديدا دعنى اقص لك قصة ظريفة حدثت مع زميلة لصديقتى فى كلية طب اسنان الاسكندرية؛

شخص فقير نوعا ما، راح للعيادة المجانية الخاصة بالكلية عشان يعالج اسنانه، كبعا لازم يتعمل له تحاليل لو كان بيعانى من مرض ما عشان بيبقى له جرعات معينة من البنج مثلًا حاجة زى كده. بالفعل قاموا بإجراء له تلك التحاليل وجاءت طالبة متمرنة لمعالجة اسنانه ونست تماما انه يعانى من مرض السكر وجراء هذا تقريبا على ما اذكر اعطت له جرعة زائدة من البنج او العكس، المهم ان الفتاة فوجئت بنزيف حاد وعنيف من المريض وارتبكت وتوترت وادى هذا الارتباك والتوتر إلى عدم طلبها للمساعدة وبالتالى ادى إلى وفاة المريض.. جاءت زوجته باكية واجُبرت على الإمضاء على ورقة تعفى الكلية والفتاة من اى مسائلة او مسئولية.. لم تُعاقب الفتاة ولم تأخذ الكلية اى إجراء استثتنائى بسبب تلك الواقعة والفتاة حية تُرزق مستمتعة بحياتها وبتكشف على عيانين لسه عادى!

أما الجزء الاخر من المرضى هم المعالجون على نفقة الدولة، وما أدراك ما الدولة، يتم وضعهم فى مستشفيات حكومية يخضعون لعلاج بدائى ومقيت وايضا معرضون لأن يتم الكشف عليهم فى جولات الطلاب من كليات الطب المختلفة.. وعن هذا النوع دعنى اقص لك حكاية اخرى؛

توجهت مجموعة من طلاب كلية طب الأسكندرية إلى مستشفى ما للكشف على حالات مرضى السرطان الذين يتم علاجهم على نفقة الدولة، منها حالة وهى سيدة فى الخمسينات او الستينات من العمر تعانى من سرطان الثدى، ريفية بسيطة غير متعلمة، ساءها حظها وفقرها للحصول على علاج على نفقة الدولة.. طلب الدكتور المسئول عن مجموعة الطلاب بالكشف عليها وكتابة تقرير عن حالتها، رفضت السيدة رفضا قاطعا ان تكشف عن ثدييها لأيا من الطلاب، وحده الطبيب المسئول عن حالتها هو المسموح له بالكشف عليها حسب اقوالها، توجهت احد الطلاب للطبيب المسئول عن المجموعة وشرحت له رفض السيدة، ما كان من الدكتور إلا "الشخط" و"الزعيق" فى السيدة المريضة آمرا لها بالكشف عن ثدييها حتى ينتهى من تلك الجولة.. لم يتدخل اى مسئول فى المستشفى للدفاع عن تلك السيدة وعندما قام احد الطلاب بالدفاع عن حق المريضة قوبل بالطرد من المجموعة وفى النهاية كشفت السيدة راضخة ومستسلمة عن ثدييها وسط اشمئزازها من الطلاب ووسط دموع تساقطت من عينيها!

هذه القصتين ما هما إلا جزء بسيط مما يحدث داخل كليات الطب ومستشفيات مصر الحكومية على مستوى الجمهورية، على الأقل هذا ما عرفته انا فقط، والقصص الأخرى كثيرة لا يكفيها تلك الصفحة فقط، وعلى الرغم من هذه الحكايات معروفة ومعتادة عند طلاب كليات الطب وعند الأطباء ايضا وهى ليست بالجديدة إلا ان حتى الآن يتم التعامل مع مريض الحكومة والمريض الفقير أنه حقل من التجارب.. لا توجد اى رحمة او آدمية فى التعامل مع مرضانا مثل مصابين الثورة مثلًا الذين يتوفوا واحدا تلو الآخر جراء ايضا ما يسمى "بالعلاج على نفقة الدولة".. دولة الزومبيز تحكم!