Wednesday, September 4, 2013

مات الكلام

ملحوظة: هذا المقال نُشر فى العدد الـ33  من مجلة 7 أيام.

سيبكم بقى من كل الهجص اللى بنقوله ليل نهار عن البلد ونشتكى من التعليم والصحة والشوارع والزحمة، كلها حاجات قابلة للإصلاح حتى لو هتاخد وقت، لكن فيه حاجات فى البلد عمرها ما هاتتصلح حتى لو عملنا قرود لإنها بقت معششة فينا.

عارفين اكتر حاجة شوهتنا البلد فينا؟ الكلام.. اه والله الكلام، يعنى مثلا صعب انك تبقى قاعد فى كافيه الصبح بتشرب قهوتك وتلاقى حد جنبك سواء ولد او بنت وتتجاذبوا اطراف حديث مع انك ماتعرفوش.. مجرد حديث ممكن يضيف ليومك سعادة او افكار مختلفة او تجديد مية حياتك حتى لو مش هاتشوف الشخص ده تانى وممكن ماتخدوش نمر بعض ولا تتقابلوا تانى اصلا.. مجرد كلام فى الأحوال العامة..

لو ده حصل فى الايام العادية، هيبقى يا إما ولد بيحاول يعطّف وبلطّف مع بنت قاعدة لوحدها وعايز يتعرف على بنات وياخد نمر ويقضيله يومين، يا إما حياء البنت بيمنعها تفتح كلام اصلا مع حد ماتعرفوش ولو حصل وتجاوبت مع شخص جاى يتكلم معاها دايما هيبصلها انها "بت سهلة" او "جت سكة". كلها تشوهات فى التعامل مع الناس حوالينا برة الدايرة اللى نعرفها.

لما رحت اسبانيا، وطلعت وقفت برة الكافيه اللى كنت قاعدة فيه فى البرد، لقيت شخص اجنبى فتح معايا كلام، كلام عادى جدًا بس إحنا الاتنين كنا مستمتعين رغم انى فى اول ما ابتدا كلام معايا تنّحت واللى هو ارد ولا مردش لا احسن يطلع شخص مختل فى الاخر.. ومطلعش مختل!

لما كنت هناك برضه وواقفة مستنية الاتوبيس.. جه شاب تونسى وبدأ يجر معايا كلام وقعدنا نتكلم عن البلاد العربية وثورة تونس وثورة مصر وشغله وشغلى والاماكن الحلوة اللى زارها.. ولما وصلنا المحطة اللى نازلينها عملنا باى باى لبعض وكل واحد مشى فى طريقه ومعرفش إمتى ولا فين ممكن نقابل بعض تانى وممكن اصلا مانتقابلش.. مجرد كلام برضه.

من الأبحاث اللى وانا بقلّب على الانترنت وشدتنى هى بحث عن التحدث مع الغرباء، والبحث ده بيوضح فيه ان الكلام مع الناس اللى ماتعرفهاش بيبقى مؤثر اكتر من الكلام مع دائرة معارفك وعائلتك، غير ان نسبة شجاعتك للتحدث عن مشاكلك واحلامك مع شخص غريب بتبقى اكبر منها وانت بتتكلم مع حد تعرفه.. لإنك عارف ان حتى لو قلت له إيه انت كده كده مش هاتشوفه تانى او هتتعامل معاه قريب.. بيديك إحساس مؤقت براحة نفسية، وده اللى خلّى الأطباء النفسيين يتجهوا لعمل مجموعات للتأهيل النفسي بتبقى عبارة عن انهم بيجيبوا مجموعة من الاشخاص اللى عندهم مشاكل نفسية معينة او بيمروا بمشاكل فى فترة ما فى حياتهم وبيجمعوهم فى مكان مع بعض وبيخلوهم يتكلموا مع بعض وهما مايعرفوش بعض..

فكرة "لو حد غريب جه اتكلم معاك وقالك هديلك شوكولاتة ماتتكلمش معاه" دى ممكن اه تبقى كويسة لأطفال عندهم 4 5 سنين مش عارفين يفرقوا بين شخص معتدل وشخص تانى مختل عايز يخطفه او يعتدى عليه.. لكن الكلام نفسه مع الناس شئ لطيف جدًا وفوايده قد تكون اكبر من اضراره..

فيه حاجز معين بيعلى مع الوقت بسبب قلة الثقة وبسبب الثقافة السائدة فى المجتمع بتاعنا، كتر الحوادث اللى بنسمع عنها بسبب ظروف البلد الإجتماعية خلت الخوف من الاخرين يكبر اكتر واكتر فينا.. اللى عامل فيها صايع ومدقدق وفالح اوى اخره يتكلم مع سواق التاكسى وهو رايح مشواره.

الحل الوحيد اللى ممكن يخلينا مانقولش "مات الكلام" ما بيننا، إننا نتكلم ونكسر حاجز الإنعزال الإجتماعى.. إتكلم مع اللى واقف جنبك فى السوبرماركت، وإنت مستنى التاكسى، فى الاسانسير.. المهم إننا نتكلم.

1 comment:

  1. المقال دة جاي في وقته , لسه شايف "ايفنت" ميكروفون مفتوح في مكتبة ديوان هليوبولس, مصر الجديدة , و انا اصلا اسكندراني ’ قلت فرصة اروح اتكلم براحتي مع ناس عمرها ما حتشوفني تاني

    ReplyDelete