Tuesday, December 10, 2013

هذا الضابط من ذاك الشعب

"وهو الظابط والعسكرى ده إيه غير اخوك وأخويا وإبن عمك وصاحبك؟ دول ولادنا ولادنا يا جماعة!"
تلك الجملة كثيرا ما تناقلها الإعلاميون فى العديد من القنوات خاصة فى اى اشتباكات يكون المتظاهرين وأفراد الداخلية طرفا فيها، وبالطبع كانت تلك الجملة محل ومثار سخرية بالنسبة للعديد من الأصدقاء وبالنسبة لى أيضا، وكنا نقولها ايضًا على سبيل المزاح لأنى أنا ومعظم اصدقائى تقدر تقول علينا من "الثوار".. اللى مابيقولوش على 25 يناير لا نكسة ولا وكسة ولا كل الكلام السخيف اللى بيتقال على اليوم ده اللى من وجهة نظرى الشخصية فرق كتير جدًا فى حياة ناس كتير وفى مسار مصر عامة.

كنا نجلس أنا ودكتور ياسر أيوب وشريف الألفى وسارة رمضان فى مكتب الدكتور فى المجلة، إجتماع اخر اليوم حتى تتحدد مسئوليات كل منا فى اليوم التالى الا وهو "تقفيلة المجلة".. وتشعبنا فى الحديث عن اكثر من موضوع، حتى جاءت "سيرة" الداخلية.. شريف الألفى وهو احد ممن كانوا معسكرين الـ18 يوم فى ميدان التحرير ونزل ايضا إلى الإتحادية فى 30 يونيو.. ثائر ثائر يعنى، قال لى جملة فى نص النقاش كانت مفادها ان ذلك الشعب يستحق تلك الداخلية المتوحشة.. ونحن هنا لا نتعالى على الشعب ونقول إننا لسنا جزءا منه، بل نحن أيضا نستحق تلك الداخلية..

توقفت للحظات عند كلماته، ثم تذكرت الجملة التى ذكرتها فى اول مقالى، لكن بعيدا عن السخرية والمزاح، وجدتها الأقرب إلى الحقيقة.. إلى حقيقتنا تحديدا؛ أيوه فعلًا الظابط ده ممكن يكون اخوك وإبن عمك.. اى انه من نسيج الشعب، وإحنا شعب نقدر نختصره فى إنه "قليل الذوق والأدب".. تعودنا على العشوائية والفساد اصبح جزء لا يتجزأ من تكويننا النفسى إلا من رحم ربى.. ومن رحمه ربى ستجده على الأقل منافق وأحيانًا كاذب حتى لو درجنا كذبه تحت بند الكذبة البيضاء.. شعب محوّراتى، لا بينفع معانا نظام ولا أى أسلوب نظيف فى التعامل..

اتجنى على شعبى اللى أنا منه؟ لأ..

من اصغر موظف لأكبر مسئول، وحتى العاطلين على العمل.. لا نتعامل بذوق ولياقة وأدب مع اى حد على الإطلاق حتى فى ابسط تعاملاتنا الإجتماعية اليومية، جرّب تكسر على سواق ميكروباص وشوف هيعمل فيك إيه، جرب تزمّر لسواق تاكسى.. لو فيه أنثى بتقرا مقالى دلوقتى ياريت تجرب تسوق عربيتها فى بولاق او الزمالك كل تلك المناطق سواء من غير ما تكون قافلة إزاز العربية.. كم السوقية وقلة الأدب اللى هاتسمعها مرعبة!

أصل إحنا لو جبنا داخلية من الصين فعلًا، هاتتحول إلى داخلية مثل داخليتنا حاليًا. اكاد اجزم ان ده هيحصل، يعنى لو ظابط مرور بيقبل رشوة العيب عليه والعيب على برضه اللى بيديله الرشوة.. لو أمين شرطة راح لحد وإداله 20 جنيه عشان يمشّيه العيب على اللى بيدي له الـ20 جنيه عشان مابيستحملش عواقب أفعاله ايًا كانت إيه هى..

طبعًا هلاقى حد بيكلمنى عن متظاهرى اوكرانيا وطريقة تعامل الشرطة هناك معاهم وكم ضبط النفس اللى عملوه قدام المتظاهرين.. ده لإن نسيج الشعب الأجنبى ذات نفسه متربّى حتى لو قاموا بأعمال شغب وثورة عارمة زى رش الضباط والعساكر بالـ"بيبر سبراى" وغيره، إلا انهم عارفين انهم مستحيل يقتلوا ضابط مثلًا، لإن هما مقدرين حياة البنى آدم وهكذا الضباط مقدرين حياة المتظاهرين حتى لو غاضبين وثائرين ضدهم.. كل واحد من الآخر عارف ديّتها إيه. شرطتهم وداخليتهم بتعتذر عن قتل شخص ما بالخطأ، لأن عندهم ثقافة الإعتذار وثقافة تحمل المسئولية وثقافة الذوق والأخلاق كمان.. إحنا هنا حتى فى التعامل الطبيعى بيننا وبين بعض بتعّز على الواحد لو غلطان ييجى يعتذر.. بنقاوح ونحوّر وأنا منهم. إزاى بقى استعجب ان الداخلية تكدب وتكابر وتقول ماقتلناش ومضربناش خرطوش؟

كم العنف الذى نراه يوميا فى الشارع ينعكس بدوره على العنف الذى نراه فى اقسام الشرطة، مثلًا كنت بتعشى عند "زيزو نتانة" فى منطقة شعبية.. طفلين عندهم 10 سنين ماسكين زجاجات كوكاكولا كاسرينها وواقفين بيتخانقوا مع بعض بيها.. واللى جه من الكُبار يفرّق ما بينهم فى الخناقة كان بيضرب فى الإتنين عشان يسكتوا.. شعب عنيف جدًا!

من الآخر يعنى.. هذا الشبل من ذاك الأسد او الأصح هنا؛ هذا الضابط من ذاك الشعب، داخليتنا تعكس حقيقتنا الوقحة والمريضة والعنيفة..

2 comments:

  1. حلو جدا و انا بحب مقالاتك وكلامك بسيط

    ReplyDelete