Tuesday, February 17, 2015

بلد الفامبيّرز والزومبيز

"هو إحنا كفار؟" قال هذا التساؤل المبكى المحزن شاب من جمهور نادى الزمالك يبكى بحرقة بعد ان رأى زملائه يختنقون ويتدافعون من حوله ويتساقطون بسبب الغاز المسيل للدموع الذى اطلقته الشرطة وبسبب الزحام والتدافع والقفص الحديدى.. تساؤل هذا الشاب فى الفيديو الذى نشرته جريدة المصرى اليوم على موقعها الإلكترونى أخذ يرن فى أذنى ليلا ونهارا بعد تلك المذبحة التى شهدناها جميعا.

هذا التساؤل هو ما يشغلنى حقا.. هو إحنا كفار؟

كنت قررت وعاهدت نفسي منذ مذبحة بورسعيد فى فبراير 2012 ألا اهتم بما يحدث فى هذا البلد على الإطلاق فما رأيته من بجاحة ونطاعة وقلة إهتمام ومحاولات للردم على المسألة جعلنى اتأكد من أننى أعيش حاليا فى بلد تحولت لفيلم من أفلام هوليوود الخيالية المليئة بالفامبيرز والزومبيز الذين يعشقون الدم وهم أصلا معندهمش دم.. بلد كل فريق فيها قرر ان سعادته وراحته النفسية ورضاه عن نفسه يتمحور حول دماء من يعاديه ومن يخالفه الرأى او الظن او الفكر.. والحقيقة اننا أمام تنظيم كامل من الزومبيز والفامبيرز.. هناك القادة والمتحكمين فى التنظيم وهم السادة الجالسون خلف الشاشات الذين يتحكمون فعليا فى الرأى العام والذى تقدر حجم مشاهداتهم بالملايين.. كل منهم قرر ان الشرب من الدماء هو الحل، وأن تعطيش الرأى العام للدماء هو الوضع الطبيعى ومع مرور اربعة سنوات كاملة من الأحداث المؤسفة ظل هذا التنظيم مستمرا فى كل حادثة او مذبحة او مأساة يموت فيها شخص او مجموعة من الأشخاص فى تعطيش المتفرجين والمشاهدين للمزيد من الدماء ومزيد من الضحايا.. شاركهم فى هذا التنظيم الكبير ايضا المسئولين والمتحكمين فى مجريات الأحداث فى هذا البلد بكل أفكارهم وأنواعهم وأشكالهم وإختلافاتهم، بداية من الإخوان الذين قتلوا المئات سابقا ويفجرون حاليا، مرورا بالثوار الذى اصبح الادرينالين الثورى هو المتحكم فى أفكارهم مما جعلهم يعرضون حياة المئات منهم على مرور الاربعة سنوات للخطر من خلال تحميس العديد للنزول فى معارك واهية تنتهي كل مرة وبنفس الغباء بضحايا جديدة، وصولا للسادة عشاق الشرطة المصرية العنيفة وعشاق أيا كان من يحكم فهم مع الأقوى ومع الشرطة قلبا وقالبا.. هؤلاء جميعا هم قادة التنظيم الكبير للفامبيرز والزومبيز فى مصر والذين يعملون يوميا على زيادة عدد اتباعهم..

ظل هؤلاء على هذا المنوال والطريقة فى كل حدث وموقف، يطلقون تصريحات نارية القصد منها هو إحداث خلل فى المشاعر والأحاسيس وإحداث حالة لهم من التعطش لرؤية المزيد من الدماء والضحايا وتعليمهم أيضا بعضا من الطقوس المريبة الخاصة بهم مثل الرقص على جثثهم والإحساس بالزهو والفخر والإنتصار لرؤية الطرف الآخر يتألم ويموت!

لم أدرك مدى خطورة هذا التنظيم ونجاحه على أرض الواقع إلا مع مذبحة استاد الدفاع الجوى التى حدثت الأسبوع الماضى، لم أدرك مدى كبر وإنتصار هذا التنظيم إلا برؤية البعض من المعارف والأصدقاء على شبكات التواصل الإجتماعى وهم يتعاملون مع الوضع المؤسف والضحايا كما لو أنه إنتصار سواء لهيبة الدولة او للقانون كما ادعى البعض، فوجئت بتحول العديد من المعارف والأصدقاء ايضا إلى زومبيز وفامبيرز.. لم يهتم أيا منهم بالضحايا او بمن نجى جسديا ولكنه مات نفسيا مما شاهده هناك.. لم يهتموا البتة، بل صفقوا وتناسوا ومنهم من تبقى جزء صغير جدًا على وشك التآكل من آدميته فقرر ان يقول "محدش عارف الحق فين!".. فعلًا؟ ولما محدش عارف الخير فين أومال عقل حضرتك فين عشان يبحث ويدوّر عن الحق؟ مهزلة!

لا يدرك هؤلاء ان لم يمت شباب فقط، بل مع كل شاب منهم ماتت عائلات وأصدقاء ومعارف.. مع كل شاب ماتت أحلام وآمال وطموحات وحبيبة وموهبة وفكر وهواية..

اصبحت حرفيا خائفة من الجميع مثل ما يحدث للبطلة فى أفلام الزومبيز والفامبيرز، فالكل حولى يتحول تدريجيا لزومبى او فامبير متعطش للدماء، كل الأطراف.. غياب العدل والحق والمحاسبة يقودنى فعليا للجنون والإنهيار.. أصبحت خائفة من أن يمتد هذا التنظيم لى انا شخصيا وأحاول جاهدة الحفاظ على إنسانيتى وآدميتى وألا اضحك او افرح او اسعد لسقوط وموت أى شخص من أى طرف على الإطلاق.. الوضع مؤسف ومرعب وحزين!

No comments:

Post a Comment