Wednesday, May 15, 2013

يا مسهرنى

يا ناسينى.. وإنت على بالى
وخيالك ما فارق عينى.
ريحنى واعطف على حالى
وارحمنى من كتر ظنونى..

كتب تلك الكلمات على ورقة وظل ينظر إليها من شباكه الذى ينعم برؤياها اكثر مما تنعم عيناه بها.. لم يكن عنده اى مانع ان يظل واقفا فى ملاذه الوحيد فقط ناظرا إليها وهى تتخفى من وراء مربعات الارابيسك لا يظهر منها إلا منحنياتها التى اصبحت مساره المقرب إلى قلبه، هل تحبه كما احبها دوما من النظرة الأولى؟ بلا شك تحبنى! أومال دايما وقفالى مستنيانى ليه؟

تذكر المرة الأولى التى لمح خيالها من وراء شباكها وهو فى طريقه المعتاد إلى بيته.. وأعجب بخجلها المتوارى خلف طرحتها الملونة ولكنه لم يعرها إنتباها، فملل الطريق المكرر إلى حى السيدة زينب الذى يقطن به كان اقوى من تلك النظرات التى تحدق به من خلف اسوار المشربية.

لا عينى بيهواها النوم..
ولا يخطر على بالك يوم
تسأل عنى.. يااا، يا مسهرنى..

تكررت الأيام وظلت هى.. كما هى دائما، خجولة تتوارى خلف الإيشارب وتنظر من داخل غرفتها إليه.. او إلى طريقه، وربما ليس إليه على الإطلاق، ولكنها كانت بالنسبة إليه مونسته فى طريق سئم السير فيه. ظل يسلك طريقه المعتاد من البيت للمشوار ومن المشوار للبيت.. ولكن فى كل مرة كانت نظرته لمشربيتها تطول، فهو اصبح يشعر كما لو أنها ملاكه الحارس الذى يحمى ويمتع طريقه وكأن الله شعر بملله وبفراغ قلبه فبعث بها لتملأ حياته وتشغل وقته..

تملكته النظرات فلم يعد يكتفى بتلك الدقائق التى يمر منها من تحت شباكها، فجعل القهوة المقابلة لها بيته الثانى، ينظر للجريدة تارة وإلى نظراتها تارة.. وقوفها كل تلك المدة دون كلل وملل كان له الأثر الأكبر فى تعلقه بها..

سهرت افكارى وياك..
والصبر ده مش بإيديا
والشوق واخدنى لبحر هواك
واقول لروحى وانا ذنبى إيه
يقول لى قلبى حلمك عليه

كبر حبه مع الأيام، وزاد شوقه لها مع النظرات الصامتة التى اخترقت قلبه، جلس يوما على مقعده الذى حجزه بإسمه الأقرب ما يكون لشباكها فلم يجدها، كانت تلك هى المرة التى شعر فيها فعلا بمعنى الحب.. والإشتياق لشخص اعتادت عيناك على رؤيته، ظل قابعا مكانه لا يتحرك.. لعلها تظهر.. ومر الوقت ولم تطل من شباكها.. تعبانة؟ عيانة؟ بطلت تحبنى؟ هى مش عارفة إنى بستناها كل يوم؟ زهقت منى؟ تساؤلات دارت فى مخيلته ولم يجد لها إجابة..

لم يذق طعم النوم تلك الليلة، خوفه من ضياع حبيبته منه تملك كل افكاره وسيطر على كل محاولات إغلاق عينيه والإستسلام للنوم..

كان اول من فتح القهوة مع الصبى، وجلس ينظر لجريدته كالعادة وعقله يقرأ الحروف ولا يفهمها املا منه ان يمر الوقت.. ساعة؟ ساعتين؟ نظرة خاطفة على المشربية فرآها.. اشتاق لظلها، لمنحنياتها، لطرحتها التى تتباهى كل يوم لتأسره بلون مختلف..

تعالى لى اوام..
ده انا عندى كلام بدى اقولهولك
وفى قلبى غرام.. وفى قلبى غرام اوصفهولك
ونعيش ايام ولا فى الأحلام...

اخذ يحدق بها منتعشا ويداه تمسك بقلمه لتخط حروف وكلمات لم يعرف انه قد يشعر بها يوما ما، ولكن اى كلمات قد تترجم توهان مشاعر قلبه؟

توقف قلمه وتسارعت نبضات قلبه وهو يرى شباك مشربيتها تفتح لأول مرة.. اعيناها ستكون بجمال ذوقها؟ بحنية نظراتها؟ الم تطق الإنتظار مثله؟

فُتح الشباك.. ليرى حبيبته تتحرك وتتمايل وتنزع طرحتها.. لتظهر له ويكتشف،

أنها قُلة!
لم يكن يعرف الشاعر احمد رامى ان كل كلمة حب وشوق كتبها من أغنية يا مسهرنى ستكون غزلا وإستمالة فى قلة!
كل قعدة قهوة.. كل بُق شاى، كل مرة عديت فيها وبصيت فوق..
كانت لقُلة؟
 يعنى مكانتش مستنيانى؟ كانت مستنية.. تتسقع؟
ترددت كلمة "قُلة" فى عقله كثيرا كلما نظر من الشباك او مر من تحت المشربية..

لكن ببساطة، ماهتمش! مجراش حاجة، راح لأم كلثوم قالها "بقولك إيه، خُدى عندك دى"؛

يا ناسينى وإنت على بالى..
وخيالك، ما فارق عينى
ارحمنى من كتر ظنونى..

*نشر هذا المقال فى العدد الـ17 من مجلة 7 أيام.

1 comment: