Wednesday, January 29, 2014

شاركت فى 28 يناير.. بس مش بالظبط!

لا ينفك الجميع عن التفاخر بالمشاركة فى ثورة 25 يناير، ويتحدث عن ذكرياتها وذكرياته عندما قرر ان يتحدى رغبة اهله فى ان يمشى جنب الحيط وكيف واجه خرطوش ورصاص الداخلية ووقف امام المدرعة وعمل شقلباظ والكثير والكثير من الحكايات التى بالتأكيد زاد عليها شوية خيال علمى لتصبح ثورة 25 يناير ملحمة.. وهو ما لا انكره عنها وأنا من اشد مؤيديها حتى تلك اللحظة التى اكتب فيها كلامى هذا..

حكايتى أنا مع 25 يناير تقريبا تعد من أغرب ان لم تكن بالفعل الأغرب، شاركت فيها غصب عنى، ومكنتش اعرف عنها حاجة والله يا بيه! لنبدأ من يوم 24 يناير تحديدا..
24 يناير 2011، كنت فى مدينتى الاصلية الاسكندرية وسط والدتى واختى الكبيرة والصغيرة، اتصفح فيسبوك ورأيت إيفينت 25 يناير يوم الثورة على ممارسات الداخلية وإلخ إلخ.. وبالنظر إلى وقفات خالد سعيد قبلها بكام شهر، ماشى كنت عارفة ان حاجة هتحصل بس مش ثورة يعنى يا جماعة وتونس والكلام اللى بتقولوه ده..

يشاء القدر ان الإنترنت يقطع فى بيتنا يوم 25 يناير الصبح – كنا دافعين الفاتورة والله!- وأصبحنا انا وأختى منعزلين عن العالم، خاصة وان فى نفس الوقت واللحظة الدِش بتاع البيت باظ هو كمان! فأصبح لا ملاذ لنا إلا صباح الخير يا مصر والنشرات الإخبارية والافلام الابيض واسود بليل..

يوم 25 يناير تحديدا كنا نشاهد نشرة الأخبار الصباحية والمسائية وظلت المذيعة تؤكد وتشدد انه لا توجد اى مظاهرات فى الشارع المصرى كما يحدث البعض، بل وقامت بعرض بعض المشاهد لايف من ميدان التحرير والشوارع المحيطة وهى هادئة تماما وان ما يقال ما هو إلا زعزعة استقرار الويك إند السعيد المقبلين عليه.. قد تسألنى عن الاهل والاقارب ولماذا لم يقوموا بالإتصال بنا لإيصال وتوضيح الصورة.. صدقنى ماعرفش، تيتا كانت تعبانة تقريبا وخالتى كانت بتذاكر لولادها عشان عندهم إمتحانات ومانعة حد يقرب من زرار فتح التلفزيون..

ظللنا هكذا، معميين عن كل ما يحدث خارج شقتنا وخارج شارعنا، وشاءت الاقدار ايضا ان تكون والدتى اجازة من شغلها، وقررنا انا وأختى الا نخرج مع اصدقائنا ونستمتع بويك إند عائلى نحب فيه بعض ونقضى بعض الوقت سويا لأننا معظم الوقت متفرقين بين عمل أمى وعمل أختى وخروجاتى مع اصدقائى وجامعتى..

فى الفترة من 25 يناير حتى 27 يناير ليلا، كنا مازلنا منقطعين عن العالم، ومازال التلفزيون المصرى يمطئننا نحن والسادة المشاهدين فى البيوت، لا يوجد شئ على الإطلاق.. الجو مشمس على عكس توقيتنا الشتوى والدنيا لطيفة.. وبناءا على تلك الأخبار، قررنا يوم الخميس 27 يناير ان غدا الجمعة 28 يناير سوف نخرج صباحا لتناول إفطارنا فى اى مكان نستمتع فيه بالجو اللطيف.. ويك إند عائلى فاخر!

بالفعل، جاء يوم الجمعة المشهود، جمعة الغضب بالنسبة للناس كلها وإحنا بالنسبالنا جمعة الإفطار.. ارتدينا ملابسنا وقررنا الذهاب لمول جنب البيت "جرين بلازا" لتناول إفطار خفيف فى كوستا الجديد هناك.. ركبنا العربية ومشينا لأخر الشارع جايين ندخل جرين بلازا نلاقيه قافل! طبعا كل ما دار فى بالنا أنا وعائلتى ان الناس دى مجانين.. يقفلوا إزاى فى يوم جمعة العائلات كلها بتيجى فيه؟ اكيد فيه تجديدات فى المول.. نرجع البيت؟ لأ طبعًا، قررنا الذهاب لكوستا كافيه بمنطقة ستانلى على البحر.. المنظر حلو والبحر قدامنا وهادى.. انطلقنا من منطقة سموحة فى إتجاه نفق الإبراهيمية ومنه إلى الكورنيش.

كان نفق الإبراهيمية تقريبا هو نقطة "الخضّة" والإستغراب والدهشة ومشاهد "فتح البُق" من الذهول.. بعد ما عدينا نفق الإبراهيمية، وجدنا أمامنا نقطة شرطة الإبراهيمية متفحمة تماما.. اوراق مبعثرة فى الشارع بطوله وعرضه.. العديد من المتظاهرين أمام نقطة الشرطة منفعلين وهرج ومرج.. هو فى إيه؟

ظللنا متسمرين فى مكاننا، لا نعلم من هؤلاء.. ولماذا ورق القسم مبعثر على الطريق، لم نفق من هذا الذهول إلا 
على مسيرة كبيرة تمر بجانبنا تهتف "الشعب يريد إسقاط النظام!".. نعم؟ شعب مين يا جماعة ما تصلوا على النبى فى قلبكم كده! ونظام إيه.. إحنا فين وإنتم مين اصلا؟ لقيت إبن عمتى ماشى فى المسيرة وبيهتف، طبعًا جبناه من قفاه، فى إيه يا معتز؟ فى ثورة.. ثورة إيه يابنى! والله فيه ثورة والبلد والعة!! تركنا معتز لأصدقائه ومسيرته.. وقادنا الفضول لرؤية البلد الوالعة وإحنا مش حاسين..

مررنا بمنطقة محطة الرمل.. كنا نشاهد من زقاق ونحن بداخل سيارتنا مدرعة الأمن المركزى تدهس المتظاهرين دهسا! الغاز منتشر من حولنا وأختى الطفلة الصغيرة ذات الخمس اعوام عينيها تذرف دموعا من تأثير الغاز.. ورأينا شابًا مصابا غارقا فى دمه يحاول الجميع اسعافه بكافة الطرق..

ذهبنا لشارع السلطان حسين.. فوجدنا "بوكس" شرطة مولّع! ثم فجأة إطلاق نار من جانب الشرطة وقع على اثرها شابا على سيارتنا غارقا فى دمه مفارقا للحياة.. لم تتمالك أمى نفسها وانفجرت فى البكاء.. ما يحدث أمامنا كان اكثر مما نحتمل.. حاولنا بقدر الإمكان الإبتعاد عن خط النار، واتجهنا للكورنيش، كان كل ما نفكر فيه هو العودة للمنزل سالمين، لكن كل الطرق مغلقة وغارقة فى دماء شباب ونساء ورجال وشيوخ.. لم نكن نعرف ما يجب علينا بالضبط فعله فى تلك اللحظة، قمنا بتوصيل شابا فى كلية حقوق لإمتحانه!! معرفش إزاى إمتحان يوم الجمعة! بس ابوه ترجانا انه لازم يلحق امتحانه بأى شكل.. وسيدتين اخرتين كانتا تريدان الوصول للمنزل بأى طريقة.. اصبحت سيارتنا نوعا ما سيارة إسعاف. ولن انس ذلك الشاب الذى قرر إيقافنا لتصويره بخوذه ضابط، التقط له الصورة وطلب منى رؤيتها ثم نظر لى "الظابط اللى كان بيكدّرنى انا واخويا فى الرايحة والجاية.. علّمت عليه!"

لم نستطع الوصول للمنزل إلا بسلك طريق رشيد تقريبا، طريق مظلم طويل، حتى مررنا بالـ"حضّانة" الخاصة بالشرطة.. وجدناها مُقتحمة من قبل المتظاهرين.. اللى خارج بالتوكتوك بتاعه واللى بيلم "الشيّش" بتاعته – وقتها كان قد اصدر المحافظ قرارا بمنع الشيشة فى الأماكن العامة بالأسكندرية- نزلت اختى من السيارة ووقفت تسجل بكاميرتها ما يحدث.. حتى اطل عليها واحدا من المتظاهرين قائلا "جرى إيه.. إنتى معانا ولا معاهم".. الإجابة معروفة "معاكم يا عم طبعا!"..

عدنا للمنزل فى حدود الساعة التاسعة او العاشرة مساءا.. أكثر من 8 ساعات فى الشارع وسط اصوات الرصاص و صرخات المصابين والشهداء والدخان المتصاعد من الأقسام.

كان مشهد لقائى بالثورة غريبا وعجيبا، كنت انتظر الاستاذ ابراهيم نصر فى اى لحظة ويقول لى عليكى واحد إحنا كنا بنهزر معاكم إتفضلوا هاف آه لافلى داى..
على الرغم من ان الموقف كان كوميديا إلا انه ترك ذكرى مضحكة ممزوجة ببعض الحسرة والألم، فكلما اتذكر منظرنا كعائلة سعيدة رايحة تفطر على البحر ثم فجأة كل تلك المشاهد السابقة دون اى انذار مسبق تظهر على وجهى ابتسامة ثم تتحول لعبوس مع تذكر مشهد الشاب الذى وقع ميتا على "كابّوت" سيارتنا.

فى نهاية الحكاية، أحب ان اشيد بدور التلفزيون المصرى وتغطيته الرائعة الحية، بشكره بجد، يمكن لو كانوا بينقلوا الصورة بصدق مكناش هننزل الشارع واشوف اللى حصل ده "لايف"، لو كانوا نقلوا صورة المظاهرات كان ممكن اصدق ان الشرطة ما أطلقتش النار على حد.. وإن الشهداء فوتوشوب.

1 comment: