Saturday, August 30, 2014

داعش هي الحل!

تطور نشر داعش لدعوة الجهاد يعتبر نقطة تحول يجب التوقف عندها لأنها الآن تعتبر من أخطر اسلحتها على الإطلاق فى توسيع "نشاطاتهم" خارج حدود دولتهم التى رسموها من اليوم الأول الا وهى "الدولة الإسلامة فى العراق والشام"، وبالحديث خصيصا عن مصر.. إنتشر الذعر عند مستخدمى شبكات التواصل الإجتماعى الشهر الماضى عند إنتشار صور الشاب "إسلام يكن" وهو مصرى فى العشرينات من عمره سافر للإنضمام إلى داعش، مشهرا سيفه ومستهزءا برؤوس "أعداء الله" كما اطلق عليهم من حوله.. هذا الذعر زاد اكثر عندما اكتشف متسخدمى فيسبوك وتويتر الحسابات الشخصية لإسلام يكن ورصدوا تحوله من شاب بتاع جيم وبنات إلى فرد مقاتل ينحر رقاب بلا رحمة.. وشعر المستخدمين ان داعش خطر حقيقى اصبح يطرق ابواب مصر الآن، خاصة وأن إسلام يكن حوّل حساباته الشخصية إلى نافذة إعلامية ينشر بها اخبار الدولة واخر احداثها وتطوراتها بطريقة ودية جدا على وزن "الخلافة هتنحر رقاب كل من يعاديها وهيبقى كله لوز بفضل الله!"

فكرة "حى على الجهاد" ليست جديدة بالطبع كما نعرف فلكنا كنا نتابع تنظيم القاعدة وفيديوهات "بن لادن" والظواهرى التى كانوا يدعون بها جموع المسلمين لمحاربة الكُفر ونصرة الإسلام وإعلاء راية الخلافة الإسلامية.. وعلى الرغم من وجود تلك الفيديوهات والدعوات خاصة بعد 11 سبتمبر إلا انها لم تكن منتشرة ويستطع بسهولة الوصول إليها والسماع عنها لأنها كانت تذاع على "الجزيرة" والتى كانت وقتها المنبر الإعلامى الواسع لنا وكنا نترقب شريط الأخبار عندما يكتب "عاجل: رسالة جديدة من زعيم تنظيم القاعدة بعد قليل"! كانت طريقة الوصول والمعرفة اكثر عن هذا التنظيم الخطير صعبة جدا، اللهم إلا المناظرات السياسية على قناة الجزيرة التى كانت تناقش وقتها فكرة التنظيم وكانت كلها محاولات لفهم موقف سياسى عالمى ضبابى.

ولأن كل شئ من حولنا يتطور كلما مر الزمن، فقد تطورت ايضا "الدعوة إلى الجهاد" والتى تقوم بها داعش الآن، فلم يعد الأمر مقتصرا على مجموعة فيديوهات "تعتر" فيها بالصدفة وإنت بتقلب فى التلفزيون.. حتى الجهاد أصبح "مودرن"!

"ويمكرون ويمكر الله".. بتلك الجملة بدأ إسلام يكن مؤخرا فى نشر صور لرسائل أرسلت إليه بعد انتشار قصته فى وسائل الإعلام المصرية، لم تكن تلك الرسائل تستجديه ليبتعد عن الطريق الذى اختاره او محاولات لمنعه وردعه ونصحه.. بل كانت رسائل تستفسر منه عن كيفية "النفير" والسفر للجهاد فى الدولة.. وكان من نص رسالة من تلك الرسائل انهم منتظرين فى مصر الإشارة للبدء فى فتح مصر!

لم يتوقف "الجهاد المودرن" عند حد شبكات التواصل الإجتماعى فحسب، فقد نشرت صحيفة الديلى ميل الإنجليزية تقريرا عن صدور مجلة ورقية بإسم "المستقبل" وهى الوسيلة الصحفية الجديدة لتنظيم "داعش".. رصدت الديلى ميل توزيع نسخ من تلك المجلة الجديدةعلى مرتادى الصلاة فى جوامع إندونيسيا، وتحمل أخبار للدولة وتعريف مفصل اكثر عن نشاطاتها وأهدافها.. وايضا قام تنظيم "داعش" بإصدار موقع إلكترونى يحمل نفس الإسم Al-Mustaqbal.net وهو موقع إخبارى عن الدولة الإسلامية وعن أعداء الإسلام وأخبار مجاهدى الصفوف الأولى فى العراق والشام ومقالات للمجاهدين..

بذلك اصبح "الجهاد" متاحا للجميع من كل الجهات، وسهل الوصول إليه والتعرف عليه.. ومع إنتشاره بتلك الطريقة المعاصرة، زادت ايضا المخاوف من إنتشار داعش فى مصر واننا ينبغى ان نكون كلنا على قلب رجل واحد حتى "نهش" الإرهاب بعيد.. ولا يدرى هؤلاء الخائفون ان مصر تقريبا هى بيئة خصبة للغاية لإنتشار داعش بمنتهى السهولة.. ببساطة لأننا عبارة عن داعش على صغير؛

هل تذكر حادثة قتل وسحل والتمثيل بجثة الشيخ الشيعى حسن شحاتة؟ كان كل هذا القتل والسحل والتعذيب تحت هتافات "بالروح والدم نفديك يا إسلام!" و"الله أكبر"!
بالتأكيد تلك حادثة عابرة من قلة مندسة ولن نقف عندها..

هل تذكر حوادث تهجير الأقباط فى الصعيد؟ حرق منازلهم؟ إجبارهم على ترك قريتهم غصبا لان الجلسات العرفية التى سئمنا منها جميعا اصدرت حكما بترحيلهم خارج القرية؟
الجهل فى الصعيد والفقر منتشرين وهو ده سبب الحوادث دى..

هل تذكر كل المرات التى قام فيها احدهم بالتعليق على حادثة تحرش مبررا تصرف المتحرش بإن البنت مش لابسة محتشم؟

تلك الحوادث الثلاثة التى ذكرناها هنا ما هى إلى جزء بسيط من أرشيف واسع من التطرف الفكرى فى المجتمع المصرى الحالى، تطرف اقرب ما يكون من "بعبعنا" الحالى وهو داعش.. وكل تلك الحوادث لا تفرق بتاتا عن بطولات داعش الجهادية، فهم يقومون بترحيل الأقباط عن منازلهم ويقتلون المسلمين إذا ما حدث ان اختلفوا عنهم فى الفكر.. فمن أى داعش نخاف ونترقب؟ ولأى إرهاب نتأهب؟

داعش اصبحت داخل مصر فعلا، ومنذ فترة طويلة ولكن المسميات هى ما تهمنا، وتأتى لنا النظريات التحليلية فى جميع الوسائل الإعلامية لتظهر لك ان كل من ينتمى للفكر الجهادى هو جاهل او متخلف.. وهو تحليل ركيك يمكن طعنه فى مقتل بمنتهى السهولة.. هل التعليم يقضي فعلا على فكرة الجهادية والتطرف الإسلامى؟

بالبحث فى ارشيف "الإرهابيين" المعروفين، نجد أسامة بن لادن مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، درس فى جامعة الملك عبد العزيز فى جدة وتخرج ببكالوريوس فى الإقتصاد ونال شهادة فى الهندسة المدنية.. "باشمهندس" أد الدنيا وخريج اعلى الجامعات والشهادات والحصيلة انه اصبح الإرهابى الأشهر فى العالم.. وليس بالضرورة ان يكون الإرهابي باردا غليظا وعنيفا فقد قال بريان فايفيلد شارير وهو مدرس اللغة الإنجليزية لبن لادن انه كان تلميذا هادئا وخجولا ولطيفا اكثر من اى شخص فى الفصل ومبتسما!

وهنا نصل لنقطة هامة وسؤال أهم؟ على من تقع مسئولية الحد من تحول مصر لمجتمع داعشى؟

ويشترك فى تلك المسئولية الكثيرين؛

 اولا: الدولة
الحل الأمنى والقبضة الأمنية التى اعتدناها لأعوام عديدة لن تكون الحل الأمثل والأصلح لمحاربة تطرف الفكر الذى اصبح منتشرا كالطاعون بالمجتمع المصرى.. هتجاهد؟ يبقى هنجيبك وهنسجنك ونعذبك، وهوما حدث مع الظواهرى فى فترة السادات واكد الجميع ان تعذيب الظواهرى فى السجون المصرية وقتها كان نقطة التحول الأولى فى تحويلة إلى إرهابى محترف! لن يزيد الحل الأمنى العنيف إلا تطرفا وعنفا داخل تلك المجموعات بل وسيزيد التعاطف الشعبي والمجتمعى معها.. ومن هذا النموذج الشاب إسلام يكن، الذى يؤكد معظم اصدقاءه واقاربه انه "يتحط على الجرح يطيب" وشاب متزن قبل تحوله.. ماذا لو تمكنت القوات الأمنية بمحض الصدفة بالقبض على إسلام وسجنه وتعذيبه؟ حتى لو ادانه اصدقاءه واقاربه سيتعاطفون رغما عنهم معه.

ثانيا الإعلام:
ادى الخوف والذعر من تهديد داعش لمصر إلى حالة من التخبط العامة فى الإعلام المصرى الناقل لأخبار داعش.. واتفقوا ضمنيا على الإكثار من إظهار خطر داعش حتى يلوموا من يفكر فى ان يعترض .. ومن هنا انتشرت العديد من الأخبار الكاذبة التى كما ذكرنا كذبتها العديد من الحسابات لمؤيدى تنظيم الدولة الإسلامية والتى ايضا خلقت حالة كبيرة من التنفير من الإعلام واصبحت تلك الحسابات الشخصية لداعش هم نافذتهم الإعلامية لمعرفة الأخبار الحقيقية. نقطة هامة غابت عن الإعلام المصرى وهى الحرية والتنوع، بمعنى انك بمجرد "التقليب" فى التلفزيون والمرور على اكثر من توك شو ستجدهم بنفس المضمون والضيوف والمحتوى وإذا غابت عنك حلقة فسوف تجدها بحذافيرها فى برنامج اخر.. يجب ان يفتح الإعلام ابوابه لكل الآراء المختلفة والمتنوعة، يجب ان يقود الإعلام التغيير الشامل فى المجتمع المصرى ليؤهله لتقبل مختلف الآراء.. يتخذ الإعلام المصرى سياسة إذا لم تكن معى فأنت ضدى.. والحقيقة ان الإعلاميين والمتفرجين ليسوا فى خناقة لإثبات من الأقوى! واجب الإعلامى هو عرض كل الآراء والحقائق الكاملة امام مشاهده حتى يترك الحكم للمتفرج والمشاهد ليستخدم عقله.. إعلام الضجيج والصراخ لن يزيدنا إلا تطرفا.

 ثالثا الازهر:
قد تكون مناقشة او حتى التحدث عن تلك النقطة بالتحديد "كليشيه"، ولكن تجاهلها هو احد اهم اسباب مشكلة التطرف الفكرى فى المجتمع المصرى، الأزهر الشريف يعتبر احدى منارات الإسلام الوسطى الذى نتخذه جميعا منهجا وسلوكا فى حياتنا، ولكن مع تحول الأزهر الشريف إلى مؤسسة من ضمن المؤسسات الحكومية التابعة للدولة وإلغاء استقلاليته وإستقلالية شيوخه.. ضعفت حجته وضعف تأثيره، واعتبره العديدون من معتنقى الفكر الجهادى انه منبرا للدولة والحكام الظالمين. وقد ذكرت العديد من الوثائق – غير محدد حتى الآن صحتها من عدمها ولكن تستحق اخذها فى الإعتبار- ان فى فترة السادات وبدء الجهاد الأفغانى ضد السوفييت، كان لمصر وللأزهر خصيصا دورا كبيرا فى تحريض الشباب والمسلمين على التطوع والذهاب للجهاد فى أفغانستان لإنقاذ الإسلام من الشيوعية.. وكان هذا دورا ضمن خطة كبيرة من الإدارة الأمريكية آنذاك للقضاء على الإتحاد السوفييتى وإنهياره.. وعلى الرغم من عدم وجود تشابه كبير بين "الجهاد الأفغانى" الذى كان واضحا وصريحا انه بين طرفين احدهما مسلم والأخر شيوعي يقتل فيهم، وبين داعش التى تقتل كل من يخالفها حتى لو مسلم سنى إلا ان ارتباط الأزهر بالدولة كان له تأثيره الأعظم فى نفوس المتدينين.

ولعل جزءا من كتاب العائدون من افغانستان للكاتب عصام دراز يعكس واقعا حاليا مماثلا قد يلخص بعضا من اسباب انتشار الفكر الجهادى ورغبة الشباب المصرى فى الجهاد فى أفغانستان انذاك وداعش حاليا:

"وكان مخرج هؤلاء الشباب هو البحث عن الأمل ... وإذا كان الشباب المصري يهاجر دون أمل إلى دولة مثل العراق ... ليشترك رغما عنه في حروبها ويسقط منهم الآلاف خاصة في الحرب ضد إيران فإن الحكومة المصرية لم تعلق ولم تعترض على تجنيد الشباب المصري بالقوة في جيش العراق أثناء حربه مع إيران .. ولم تعترض على مئات الآلاف من المصريين الذين يعيشون ضائعين في شوارع بغداد ومدن لعاق .. وحملت الطائرات القادمة من العراق مئات الصناديق الخشبية التي تحمل جثث الشباب المصري الذي قتل في ظروف مجهولة.
إن الإحباط العام في مصر هو الدافع الرئيس لذهاب عدد من الشباب المسلم الملتزم إلى أفغانستان فهو يبحث عن خيط من خيوط النور وذلك بإقامة دولة إسلامية يجد فيها العدل والأمان والحرية بدلا من الذل والإحباط "

ان تجد كيانا قويا تستطيع ان تتحامى به فى الظروف السيئة والمواقف الصعبة التى يمر بها الإنسان، هوغريزة فطرية منذ الصغر.. مثل حضن والدتك فى صغرك ثم الشلة فى المدرسة التى سوف تدافع عنك فى أى خناقة ثم الوظيفة المرموقة والمرتب الشهرى الثابت الكافى الذى يجعلك تستند عليه وإليه مطمئنا نفسك من اى طوارئ قد تقابلها فى حياتك.

لهذا سافر وهاجر إسلام يكن وغيره إلى داعش، بحثا عن الكيان القوى الذى يستطيع من خلاله الإحتماء به وفيه. بالإضافة للتبعية السياسية والإقتصادية التى تشعر هؤلاء الشباب المتحمس للحرية والديمقراطية بأنه محكوم من قوى اكبر من دولته وهو ما حدث مع الجهاد الأفغانى فى فترة السادات.. حيث كان من اهم اسباب اندفاع الشباب وقتها للذهاب هناك كان الإنتقام وتنفيس غضبهم من السوفييت الذين ادخلهم عبد الناصر داخل النظام المصرى حتى تغلغلوا داخل الدولة كلها.

الكيان هو الحل.. فحتى لو اغرقت على الشعب بالأموال والوظائف وفى نفس الوقت هناك ظلم واقع على فئة معينة من هذا الشعب ولا تسانده وتدافع عن كل حق من حقوقه سواء كان هذا المواطن داخل مصر او خارجها فلن تشفع تلك الاموال او قلة البطالة فى إحتواء هذه الفئة ابدا.

No comments:

Post a Comment